ذهبية ايمان خليف- صورة المرأة العربية في مرآة التحيزات الغربية

المؤلف: روبي حمد10.15.2025
ذهبية ايمان خليف- صورة المرأة العربية في مرآة التحيزات الغربية

في إنجاز تاريخي مدوٍ، توّجت إيمان خليف بالميدالية الذهبية المرموقة في وزن 66 كيلوغرامًا في أولمبياد باريس 2024. وقد حقّقت هذا الانتصار الباهر في المباراة النهائية، حيث تغلّبت على اللاعبة الصينية العنيدة ليو يانغ، وذلك في التاسع من أغسطس/آب من العام 2024. بفضل هذا الفوز الاستثنائي، أصبحت خليف أول رياضية جزائرية وعربية وأفريقية على الإطلاق تحرز ميدالية ذهبية في رياضة الملاكمة ضمن منافسات الألعاب الأولمبية، مسجلةً اسمها بأحرف من ذهب في سجلات التاريخ الرياضي.

وقد سبق هذا الظفر المجيد لقاءٌ مع الملاكمة الإيطالية أنجيلا كاريني، التي اضطرت للانسحاب بصورة مفاجئة بعد مرور 46 ثانية فقط من بداية النزال. وقد انخرطت كاريني في نوبة بكاء هستيرية على الفور، معلنةً أن اللكمة التي تلقتها على مستوى الأنف كانت الأقوى والأكثر إيلامًا التي تعرّضت لها في مسيرتها الرياضية.

في تلك الفترة، انتشرت أنباء وتقارير تفيد بأن الاتحاد الدولي للملاكمة، وهو الكيان الذي لا يعترف به اللجنة الأولمبية الدولية، قد قام باستبعاد إيمان خليف، بالإضافة إلى الملاكمة التايوانية لين يو تينغ، من بطولة العالم التي أقيمت في العام الفائت، وذلك بسبب فشلهما المزعوم في اجتياز اختبار تحديد الجنس. وقد أثارت هذه الأنباء موجة كبيرة من الاتهامات التي تزعم أن كلتيهما هما في الواقع ذكران متنكران.

وعلى الرغم من تتويج خليف بالذهب الأولمبي، إلا أنني لا زلت عاجزة عن تجاوز تداعيات هذه الأحداث المؤسفة. لست بصدد الخوض في التخمينات حول دوافع كاريني، سواء كانت قد تعمدت إظهار نفسها في صورة الضحية وتصوير خليف كذكر معتدٍ أم لا. كاريني تزعم أنها كانت تشعر ببساطة بالمرارة والإحباط بسبب الهزيمة، وأنها لم تكن تسعى إطلاقًا إلى إثبات أي نقطة سياسية، بل إنها قدمت اعتذارًا رسميًا لخليف في وقت لاحق. ومع ذلك، فإن الضرر قد وقع بالفعل، بغض النظر عن النوايا الحقيقية.

في كتابي المعنون بـ "الدموع البيضاء، الندوب البنية"، أستعرض الموقف التاريخي والمعاصر للنساء الأوروبيات (أي البيضاوات) باعتبارهن رمزًا مطلقًا للأنوثة المثالية وتجسيدًا لمفهوم الضحية. وأتساءل في الكتاب عن مدى التأثير والقوة التي تتمتع بها ما يُشار إليه عادةً باسم "دموع النساء البيضاوات"، إلا أنني أفضّل تسميته بـ "الأنوثة البيضاء الإستراتيجية".

في هذه الديناميكية المعقدة التي تتجلى بوضوح على المستويين الفردي والوطني، يتم استخدام الضائقة العاطفية التي تمر بها النساء البيضاوات كأداة فعالة لمعاقبة الأشخاص الملونين الذين يصادف أن يكونوا في صراع أو مواجهة معهنّ.

وأرى أن الدموع بحد ذاتها، بل وحتى الشخص الذي يذرفها، ليست هي العنصر الأهم في هذه المعادلة؛ بل الأثر الوقائي والتحصيني الذي تثيره تلك الدموع في نفوس المشاهدين.

هذا الشعور العميق بالظلم والغضب دفع إلى إطلاق موجة عارمة من الغضب العام، موجهةً أصابع الاتهام الحادة إلى الاتحاد وإدانة شديدة اللهجة لما جرى.

وقد تفاعلت مع هذه القضية شخصيات عامة بارزة، مثل المؤلفة البريطانية الشهيرة جي كي رولينغ، والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ورئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية المتطرفة جورجيا ميلوني.

كل واحدة من هذه الشخصيات قدّمت أيديولوجيتها الخاصة ورؤيتها المتحيزة لتفرضها قسرًا على جسد خليف. فرولينغ، التي تُعرف بمعارضتها الشديدة للنساء المتحولات جنسيًا، اختزلت الموقف برمته في صورة "متعة متهكمة" لرؤية "ذكر" يضرب امرأة ويُحطم أحلامها ويدمر طموحاتها. ومن المفارقات العجيبة أن رولينغ، وهي تدّعي زورًا حماية النساء، كانت في الواقع تشن هجومًا شرسًا على امرأة أخرى.

لم تصل ميلوني إلى حدّ الادعاء الصريح بأن إيمان خليف هي رجل متنكّر في زي امرأة، لكنها استنكرت بشدة ما وصفته بـ "المنافسة غير المتكافئة"، مشيرةً إلى أن "الرياضيين الذين يمتلكون خصائص وراثية ذكورية لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يُسمح لهم بالمشاركة في مسابقات النساء. ليس لأننا نرغب في التمييز ضد أحد، ولكن من أجل حماية حقوق الرياضيات الأخريات في المنافسة على أسس عادلة ومتكافئة".

غير أن هذا البيان يتغافل بشكل صارخ حقيقة أن تاريخ الرياضة النسائية، بدءًا من رياضة التنس وصولًا إلى رفع الأثقال، وحتى الملاكمة، حافل بالرياضيّات اللاتي لم يتوافقن مع المعايير الأوروبية النمطية البالية للأنوثة، ومن المفارقات العجيبة أن بعضهن كنّ أوروبيات.

كنا في السابق نتقبل ببساطة أن بعض النساء أكبر حجمًا وأكثر قوة وأسرع من غيرهن، أما الآن فيبدو أن الكثيرين باتوا يتوقعون من الرياضيات أن يكنّ نسخًا كربونية نمطية لبعضهن البعض، ويسعون جاهدين إلى معاقبة كل من لا تتوافق مع هذا القالب العام السائد. ورغم الوعي المتزايد بمفهوم الجنس "غير الثنائي"، فإن التسامح مع أي اختلاف عن القاعدة النمطية التقليدية أصبح أقل بكثير.

والأمر الأكثر إثارة للقلق والانزعاج هو أن قضية العدالة في الرياضة النسائية تُستغل الآن بشكل سافر لدفع العالم نحو العودة إلى عصر علم الأعراق البائد، حيث كانت "المرأة" مرادفًا لـ "البيضاء" فقط.

في عام 2016، حققت عداءة المسافات المتوسطة الجنوب أفريقية كاستر سيمينيا الميدالية الذهبية في أولمبياد ريو، لتتبعها فرانسين نيونسابا من بوروندي ومارغريت وامبوي من كينيا. تعرضت الرياضيات الثلاث لاتهامات لاذعة بعدم كونهنّ "نساء حقيقيات"، وهو ما دفع بعض منافساتهن الأوروبيات إلى البكاء المرير، بينما أجبرت البولندية جوانا جوزفيك، التي حلت في المركز الخامس، على التصريح علنًا بأنها "سعيدة لأنها الأوروبية الأولى، والبيضاء الثانية" (حيث كانت الكندية ميليسا بيشوب قد احتلت المركز الرابع).

لننتقل سريعًا إلى عام 2024، حيث ترددت أصداء هذا الدلالة الواضحة على علم العرق البغيض من قبل الملاكمة البلغارية سفيتلانا ستانيفا، فبعد خسارتها المدوية أمام لين يو تينغ، قامت بوضع أصابعها في علامة X ونقرت عليها، مشيرة بذلك إلى كروموسومات XX التي تحملها، مما يوحي ضمنًا بأنها، خلافًا لمنافستها التايوانية، هي امرأة "حقيقية".

ولكن هل كان هذا الأمر ليصبح موضوعًا مشحونًا عاطفيًا إلى هذا الحد، لو انسحبت كاريني ببساطة من المباراة دون إظهار تلك المشاعر الجياشة؟ هل كان سيتم تفسير ذلك على أنه مجرد مباراة أخرى تفوق فيها أحد الخصمين على الآخر؟ من المستحيل الجزم بذلك، ولكن فجأة تحول جسد إيمان خليف إلى محور للنقاش المحتدم.

وكما أشار البعض بالفعل، فإن خليف كانت تمارس رياضة الملاكمة في مسابقات السيدات لسنوات عديدة، بما في ذلك أولمبياد طوكيو 2020، دون أن تُثار حولها مثل هذه الاتهامات الباطلة. بل إنها قدمت صورًا موثقة لنفسها كفتاة صغيرة، وتحدثت بصراحة عن التحديات والعقبات التي واجهتها كملاكمة أنثى في ثقافتها الجزائرية المحافظة، وحظيت بدعم كامل من اللجنة الأولمبية الدولية والمسؤولين الجزائريين.

كل هذه المعطيات تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن المسألة لا تتعلق فقط بـ "العدالة" الرياضية.

بعد انسحاب كاريني المؤسف، جاءت مباراة خليف التالية ضد الملاكمة المجرية آنا لوكا هاموري، التي نشرت قبيل المباراة صورة استفزازية ثم سارعت بحذفها، وهي صورة أعتبرها شخصيًا من أبرز المفاتيح لفهم القضية برمتها، نظرًا للطريقة التي تكشف بها السياق الضمني الخفي.

في تلك الصورة المشينة، التي أنشئت باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي واستمدتها هاموري من حساب إنستغرام الخاص بخليف، لم تُصوّر خليف كرجل وحشي يتفوق بعنف على امرأة بيضاء رقيقة وضعيفة فحسب، بل جُردت من إنسانيتها بالكامل ورُسمت كوحش أسطوري خارق للطبيعة.

هذا هو الاستشراق في أبشع صوره وأكثرها وضوحًا، يعيد إلى الأذهان قرونًا طويلة من تصوير "الشرق" بصورة نمطية، حيث جرى تمثيل النساء غير البيضاوات إما كضحايا بائسات وخاضعات، هن في حاجة ماسّة إلى إنقاذ عاجل من قبل الرجال البيض، أو ككائنات ذكورية وحشية لا تستحق أي نوع من الحماية، على النقيض التام من النساء الأوروبيات اللاتي يتم تصويرهن على أنهن متفوقات ومثاليات.

إن هذه التمثيلات البغيضة تعكس بجلاء كيف يرى الغرب نفسه. فأجساد النساء تشكل التضاريس التي يخوض الغرب عليها معاركه الأيديولوجية الشرسة، حيث تُصوّر النساء البيضاوات على أنهن نقيات وبريئات، ويجب الدفاع عنهن بكل الوسائل المتاحة؛ لأنهن يمثلن الحضارة الغربية ذاتها.

وعلى الجانب الآخر، لطالما صُوّرت النساء سوداوات البشرة والسمراوات على أنهن مجردات من البراءة والفضيلة، وغير مستحقات لأي شكل من أشكال الحماية، إذ يجسدن ثقافات "دنيا" و"متخلفة" وفق التصورات الغربية المسبقة.

ومن الجدير بالذِكر والتنويه أن هاموري، التي تشبه إيمان خليف في الطول والبنية الجسدية، شاركت صورة مسيئة لا تمت بصلة لخليف. فالمسألة لم تعد مجرد مواجهة رياضية بين ملاكم عربي وآخر أوروبي، بل هي تكرار مشؤوم لأسطورة ثقافية بيضاء متهافتة وسخيفة، تفترض زورًا أن الرجال السمر والسود يشكلون تهديدًا فريدًا على النساء البيضاوات، وبالتالي على الغرب بأسره.

وعلى الرغم من هيمنة الغرب المستمرة على مدار قرون عديدة، فإنه لا يزال يصر على تصوير نفسه كنوع من المستضعفين المظلومين، وكجزيرة وحيدة من الأخلاق والنقاء والحضارة، تحت تهديد دائم من جحافل الشرق "البربرية" المتوحشة.

كل ما يُعرف بـ "حرب الثقافة" في الغرب مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعرق، إذ يستند الغرب في هذه الحرب إلى مفاهيم ذاتية حول التفوق العرقي والثقافي، والتي يعتمد عليها صراحةً لتبرير هيمنته العسكرية والاقتصادية العالمية. في الماضي، كانت الأفكار الأوروبية المغلوطة حول "العرق" هي المحرك الأساسي للاستعمار الاستيطاني.

واليوم، تستعين الإمبريالية الجديدة بقيادة الولايات المتحدة بمفهوم "الدونية الثقافية"؛ لتبرير تدخلاتها العسكرية السافرة، كما يتّضح جليًا من التكرار المستمر من قبل إسرائيل بأنها تمثل الخط الأمامي للحضارة الغربية في منطقة الشرق الأوسط.

ما يحدث حاليًا في ظل الإبادة الجماعية المروعة في غزة، والتي توشك أن تتحول إلى حرب إقليمية شاملة ومدمرة، ليس بالأمر البسيط أو العابر. فهذه هي الطريقة التي يسعى بها الخيال الغربي الجامح لإعادة صياغة نفسه كضحية دائمة تواجه تهديدًا وجوديًا وشيكًا.

وفي الوقت الذي تتكاتف فيه القوى الغربية بعزم وإصرار صارمين لسحق غزة وتحويلها إلى حطام وأنقاض ورماد، وفي الوقت الذي تُزهق فيه أرواح عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء، وفي حين يحاول الرجال الفلسطينيون المنهكون والمصدومون انتشالَ ما تبقى من أسرهم ومجتمعاتهم المنكوبة من تحت الأنقاض بأيديهم العارية، اختارت شريحة واسعة من الغرب هذه اللحظة المأساوية بالذات لتصوير نفسها كعذراء جميلة تعرضت لهجوم غادر وغير عادل من رجل عربي شيطاني.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة